فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: الآيات 127- 128]

{لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

.الإعراب:

{لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} جملة مستأنفة لا محل لها، كأنها جاءت جوابا عن سؤال سائل عما أعده اللّه لهم، فقيل له ذلك. ويحتمل أن تكون نصبا على الحال من فاعل يذكرون. ولهم جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم، ودار السلام مبتدأ مؤخّر، وعند ربهم ظرف متعلق بمحذوف حال من {دار السلام} والعامل فيها معنى الاستقرار المستكن في {لهم}، والواو حالية، وهو مبتدأ، ووليهم خبر، والباء جارّة سببية، وما اسم موصول أو مصدرية، وجملة كانوا لا محلّ لها على كل حال، وجملة يعملون في محل نصب خبر كانوا {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ}
الواو استئنافية، ويوم ظرف منصوب بفعل محذوف، أي: واذكر يوم نحشرهم، وجملة نحشرهم- بالنون والياء، فهما قراءتان- في محل جر بالإضافة بعد الظرف، وجميعا حال، وقال أبو حيان: أعرب بعضهم {يوم} مفعولا باذكر محذوفا، والأولى أن يكون الظرف معمولا لفعل القول المحكيّ به النداء، أي: ويوم نحشرهم نقول: يا معشر الجن، وهو أولى مما أجاز بعضهم من نصبه باذكر مفعولا به لخروجه عن الظرفية ويا معشر الجن منادى مضاف، مقول قول محذوف، أي: ونقول لهم: يا معشر الجن، وقد حرف تحقيق، واستكثرتم فعل وفاعل، ومن الإنس جار ومجرور متعلقان باستكثرتم {وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ} الواو عاطفة، وقال أولياؤهم فعل وفاعل ومن الإنس جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وربنا منادى مضاف، حذف منه حرف النداء، واستمتع بعضنا فعل وفاعل، وببعض جار ومجرور متعلقان باستمتع، والجملة في محل نصب القول. {وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا} الواو حرف عطف، وبلغنا فعل وفاعل، وأجلنا مفعول، والذي اسم موصول في محل نصب صفة ل {أجلنا}، وجملة أجلت لا محل لها لأنها صلة الموصول، ولنا جار ومجرور متعلقان بأجلت {قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} الجملة مستأنفة مسوقة لرد اللّه تعالى عليهم. وقال فعل ماض، وفاعله يعود على اللّه، والنار مبتدأ، ومثواكم خبر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وخالدين حال من الكاف في {مثواكم}، وفيها جار ومجرور متعلقان بخالدين، وإلا ماشاء اللّه: إلا أداة استثناء، وما اسم موصول أو مصدرية في محل نصب على الاستثناء من الجنس باعتبار الزمان أو المكان أو العذاب لدلالة خالدين عليهم، أي: خالدين في كل زمان من الأزمن زمن مشيئة اللّه، أو خالدين في مكان وعذاب مخصوصين إلا أن يشاء اللّه نقلهم إلى غيرهما. وسيأتي مزيد من البحث عن هذا الاستثناء المذهل في باب البلاغة {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} إن واسمها، وحكيم خبرها الأول، وعليم خبرها الثاني، والجملة لا محل لها لأنها بمثابة التعليل.

.البلاغة:

تحدثنا في باب الإعراب عن الاستثناء المذهل حسب ما يرشد إليه سياق الكلام والنصوص النحوية، ولكن رائد البلاغة المثلى لا يقتنع بمثل هذه السهولة، ومن أجل ذلك عني العلماء البلاغيون بهذه الآية وبأختها من سورة هود، كما سيأتي، وكثرت الخلافات والمناقشات حولها، وسنجتزئ بأهمّ ما توصلنا إليه.
رأي الزمخشري:
1- وللزمخشري رأي طريف بعيد عن التأويلات المتعسفة، وأدنى إلى الدقة قال: أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره، ولم يزل يحرق عليه أنيابه، وقد طلب إليه أن ينفّس عن خناقه:
أهلكني اللّه إن نفست عليك إلا إذا شئت، وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد، فيكون قوله: إلا إذا شئت، من أشد الوعيد مع تهكم بالموعد، لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه أطماع. وهذا الذي ذكره الزمخشري أولى من الروايات والتأويلات المتعسفة، مثل قولهم: فقد روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميّز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم.
رأي الزّجّاج:
وقد عثرنا على رأي طريف للزجاج، ينقع الغليل. ولكنه مبتسر يحتاج إلى الإبانة والكشف، فقد قال الزجاج: والمراد واللّه أعلم إلا ما شاء من زيادة العذاب. بيد أنه- أي: الزجاج- لم يبيّن وجه استقامة الاستثناء، والمستثنى على هذا التأويل لم يغاير المستثنى منه في الحكم، والظاهر أن العذاب على درجات متباينة، ومراتب متفاوتة، ومقادير غير متناسبة، وكأن المراد أنهم مخلدون في حبس العذاب، إلا ما شاء ربك من زيادة تبلغ الغاية، وتربو على النهاية، حتى تكاد لبلوغها أقصى الغايات تعدّ خارجة عن العذاب، وكأنها ليست منه، ولا داخلة في حيّزه. والمعروف عن العرب في سنن كلامهم أنهم يعبرون عن الشيء إذا بلغ الغاية بالضّدّ، فكأنّ هؤلاء المعذبين وقد طمّ عليهم البلاء، وبلغوا من الشدة غايتها، ومن اللأواء نهايتها، وقد وصلوا إلى المدى الذي يكاد يخرجه من العذاب المطلق، فساغت معاملته في التعبير بمعاملة المغاير، وهذه وثبة من الزجاج، لا نتبين فحواها إلا بهذا البسط الذي يحتاج فهمه إلى رهافة ذوق، وشفوف طبع، واللّه الموفّق.

.[سورة الأنعام: الآيات 129- 130]

{وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130)}

.اللغة:

{نُوَلِّي} من الولاية، أي: الإمارة. يقال: ولّى فلانا الأمر تولية: جعله واليا عليه، وأصله من ولي بتخفيف اللام وكسرها، يلي ولاية بكسر الواو، وولاية بفتحها: الشيء، وعليه: قام به وملك أمره، وولي البلد: تسلّط عليه.

.الإعراب:

{وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} الواو استئنافية، وكذلك نعت لمصدر محذوف كما تقدم في نظائره، ويجوز أن يكون الجار والمجرور في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: الأمر مثل تولية بعض الظالمين، وإليه جنح الزّجّاج. ونولي فعل مضارع، وبعض الظالمين مفعوله الأول، وبعضا مفعوله الثاني، أو منصوب بنزع الخافض، أي: على بعض، والجار والمجرور متعلقان بنولي، وبما الباء حرف جر، وما اسم موصول في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بنولّي، وكان واسمها، وجملة يكسبون خبرها، وجملة كانوا صلة الموصول: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} يا حرف نداء، ومعشر الجن منادى مضاف، وجملة النداء مقول قول محذوف، أي: يقال لهم، وجملة القول المحذوف استئناف مسوق لحكاية حال توبيخهم، والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويأتكم فعل مضارع مجزوم بلم، والكاف مفعول به، ورسل فاعل مؤخر، ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا}
جملة يقصون صفة ثانية لرسل، وعليكم جار ومجرور متعلقان بيقصون، أو بمحذوف حال، لتخصص النكرة بالوصف. وآياتي مفعول به، والواو حرف عطف، وجملة ينذرونكم عطف على يقصون، والواو فاعل والكاف مفعول به، ولقاء مفعول به ثان، أو منصوب بنزع الخافض، والجار والمجرور متعلقان بينذرونكم، ويومكم مضاف إليه، وهذا صفة ليومكم، أو بدل منه: {قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا}
الجملة مستأنفة مسوقة لتكون جوابا عن سؤال كأنه قيل لهم: فماذا قالوا بعد التوبيخ؟
وجملة شهدنا على أنفسنا في محل نصب مقول قولهم، وعلى أنفسنا جار ومجرور متعلقان بشهدنا، أي: اعترفنا وأقررنا {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ}
الواو اعتراضية، وجملة غرتهم الحياة الدنيا معترضة لبيان مدى تماديهم في الغرور، وكرر شهادتهم على أنفسهم لأنه في الأولى حكى قولهم وكيف يقولون ويعترفون، وفي الثانية أراد مجرّد ذمهم وتسفيه آرائهم، ووصمهم بقلة النظر، وأن وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض، أي: بأنهم كانوا كافرين، وجملة كانوا خبر أن، وكافرين خبر كانوا.

.[سورة الأنعام: الآيات 131- 134]

{ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}

.الإعراب:

{ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ} الجملة مستأنفة بمثابة التعليل، واسم الاشارة مبتدأ، خبره ما بعده أي: ذلك ثابت، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك، والاشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم. وأن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، هي مع مدخولها في محل نصب بنزع الخافض، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف ومتعلقان بمحذوف بدل من ذلك ان كانت خبرا لمبتدأ محذوف، ولم حرف نفي، ويكن فعل مضارع مجزوم بلم، وجملة {لم يكن} خبر {أن} وربك اسم يكن، ومهلك القرى خبرها، وبظلم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من ذلك، أي ملتبسا بظلم، أو من فاعل مهلك، وكلاهما بمعنى واحد، أو من القرى، أي ملتبسة بذنوبها. وأهلها الواو حالية، وأهلها مبتدأ، وغافلون خبر، والجملة في موضع نصب على الحال {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة لبيان حال المؤمنين والكفار. ولكل جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والتنوين في كل عوض عن المضاف إليه، أي: ولكل فريق، وسيأتي في باب الفوائد بحث هام عن التنوين وأقسامه. ودرجات مبتدأ مؤخّر، وما: من حرف جر، وما مصدرية أو موصولة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لدرجات، وجملة عملوا لا محل لها على كل حال، وما ربك الواو استئنافية أو حالية، وما نافية حجازية تعمل عمل ليس، وربك اسمها، والباء حرف جر زائد، وغافل مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما، وعما جار ومجرور متعلقان بغافل، وجملة يعملون صلة ما الموصولية {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} كلام مستأنف، وربك مبتدأ، والغني خبر أول، وذو الرحمة خبر ثان {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ} الجملة الشرطية خبر ثالث، ويجوز أن نعرب {الغني} و{ذو الرحمة} صفتين ل {ربك}، وتكون الجملة الشرطية خبرا ل {ربك}، وإن شرطية. ويشأ فعل الشرط مجزوم، ويذهبكم جواب الشرط، ويستخلف الواو حرف عطف، ويستخلف فعل مضارع معطوف على يذهبكم. ومن بعدكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة يشاء صلة الموصول لا محل لها {كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} كما الجار والمجرور نعت لمصدر محذوف، وقد تقدمت نظائره، وأنشأكم فعل وفاعل مستتر ومفعول به، ومن ذرية جار ومجرور متعلقان بأنشأكم، وقوم مضاف إليه. وآخرين نعت لقوم {إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} كلام مستأنف مسوق لتأكيد ما تقدم. وإن واسمها، وجملة توعدون صلة الموصول، وهو بالبناء للمجهول، والعائد محذوف، أي: به من الساعة والعذاب، واللام المزحلقة، وآت خبر إن، وما الواو عاطفة، وما نافية حجازية، وأنتم اسمها، والباء حرف جر زائد، ومعجزين مجرور لفظا منصوب محلا خبرها.

.الفوائد:

التنوين: هو نون ساكنة تلحق الآخر لفظا لا خطّا لغير توكيد، وأنواعه المشهورة أربعة وهي:
1- تنوين التمكين:
وهو اللاحق للأسماء المعربة، وفائدته الدلالة على تمكن الاسم في الاسمية، نحو: جاء زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد.
2- تنوين التنكير:
وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية للفرق بين ما هو معرفة منها وما هو نكرة، وذلك قياسي في باب العلم المختوم بويه، نحو: مررت بسيبويه وسيبويه آخر، وسماعي في باب أسماء الأفعال إذا نكرت، نحو إيه بكسر الهمزة وكسر الهاء بلا تنوين، وكقول حافظ ابراهيم في رثاء سعد زغلول:
إيه يا ليل هل شهدت المصابا ** كيف ينصبّ في النفوس انصبابا

فإذا أردت الاستزادة من حديث ما نوّنته فقلت: إيه.
3- تنوين المقابلة:
وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم، نحو: رأيت مؤمنات. وسمّي كذلك لأنه في مقابلة النون من جمع المذكر السالم.
4- تنوين العوض:
وهو ما يأتي به إما عوضا عن كلمة هي مضاف إليه في كل وبعض، نحو الآية المتقدمة {ولكلّ} أي: لكل فريق، وإما عوضا عن حرف يقضي القياس بحذفه، وهو اللاحق للاسم المنقوص غير المنصرف، نحو: جوار وغواش. وإما عوضا عن جملة، وهو اللاحق لفظة إذ عند وقوعها مضافا إليه، نحو: وأنتم حينئذ تنظرون، فالتنوين عوض عن جملة، أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم.
وهذه الأقسام الأربعة هي الأصل في التنوين، وزاد جماعة- منهم ابن هشام في مغني اللبيب، وابن الخباز في شرح الجزولية- على هذه الأنواع الأربعة:
1- تنوين التّرنّم:
وهو اللاحق للقوافي المطلقة، أي: التي آخرها حرف مد، وهي الألف والواو والياء المولّدات من إشباع الحركة، وتسمى أحرف الإطلاق، كقول جرير:
أقلّى اللوم عاذل والعتابن ** وقولي إن أصبت لقد أصابن

فلحق التنوين العروض والقافية، وهما: العتابن وأصابن، والأصل العتابا وأصابا، فجيء بالتنوين بدلا من الألف، والأول اسم، والثاني فعل. وقد يدخل الحرف أيضا كقول النّابغة الذّبيانيّ:
أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا ** لمّا تزل برحالنا وكأن قد

والأصل: قدي، فجيء بالتنوين بدلا من الياء.
2- التنوين الغالي:
وهو الّلاحق للقوافي المقيّدة، أي: التي يكون حرف رويّها ساكنا ليس حرف مدّ، زيادة على الوزن، ومن أجل هذا سمّي غاليا، اي: لتجاوزه حدّ الوزن، كقول رؤبة الرّجّاز:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ** مشتبه الأعلام لمّاع الخفقن

3- تنوين الضرورة:
وهو اللاحق لما لا ينصرف كقول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ** فقالت: لك الويلات إنّك مرجلي

وللمنادى المضموم كقول الأحوص:
سلام اللّه يا مطر عليها ** وليس عليك يا مطر السلام

4- التنوين الشاذّ:
كقول بعضهم حكاه أبو زيد: هؤلاء قومك.
5- تنوين الحكاية:
مثل أن تسمي رجلا بعاقلة، فإنك تحكي اللفظ المسموع، فقد نحصّل تسعة أنواع.
وجعل ابن الخباز كلا من تنوين المنادى المضموم وتنوين الممنوع من الصرف قسما برأسه، فتحصّل لديه عشرة أنواع أوردناها لمجرد الاطلاع والطرافة، وإلا فبعضها غير سائغ، ولا يقبله الذوق، وذلك مدرك بالبداهة.

.[سورة الأنعام: الآيات 135- 136]

{قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيبًا فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136)}

.اللغة:

{مَكانَتِكُمْ}: اختلف في ميم مكان ومكانة، فقيل: هي أصلية، وهما من مكن يمكن. وقيل: هي زائدة، وهما من الكون، فالمعنى على القول الأول: على ممكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، فالمكانة مصدر. وعلى الثاني: اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها.
{ذَرَأَ}: خلق، وذرأ اللّه الخلق وذرأنا الأرض وذروناها، أي: بذرناها. وقد علته ذرأة، وهي: بياض الشيب أول ما يبدو في الفودين منه، ورجل أذرأ، وامرأة ذراء، قال:
فمرّ ولمّا تسخن الشمس غدوة ** بذراء تدري كيف تمشي المنائح

أي: منحت كثيرا فاعتادت ذلك، فهي تسامح بالمشي لا تأبى.
(الزعم) بفتح الزاي وضمها، وفي المصباح: زعم زعما من باب قتل، وفي الزعم ثلاث لغات: فتح الزاي لأهل الحجاز، وضمها لبني أسد، وكسرها لبعض قيس. ويطلق الزعم بمعنى القول، ومنه: زعمت الحنفية، وزعم سيبويه، أي: قال، وعليه قوله تعالى: {أو تسقط السماء كما زعمت} أي: قلت. ويطلق على الظنّ، يقال: في زعمي كذا. وعلى الاعتقاد، ومنه قوله تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا}. قال الأزهري: وأكثر ما يكون الزعم فيما يشكّ فيه، ولا يتحقق. وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب، وقال في أساس البلاغة: وزعموا مطيّة الكذب، وفي قوله مزاعم: إذا لم يوثق به، وأفعل ذلك ولا زعماتك وهذا القول: ولا زعماتك، أي: ولا أتوهم زعماتك. قال ذو الرمة:
لقد خطّ رومي ولا زعماته ** لعتبة خطّا لم تطبّق مفاصله

روميّ: عريف كان بالبادية، قضى عليه لعتبة بن طرثوث، رجل كان يخاصمه في بئر، وكتب له سجلا.

.الإعراب:

{قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ} كلام مستأنف مسوق للوعيد والتهديد والمبالغة في الزجر عما هم عليه. ويا حرف نداء، وقوم منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة، وقد تقدّم بحثه.
واعملوا فعل أمر، والمقصود منه التهديد والزجر، وعلى مكانتكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وإن واسمها، وعامل خبرها، والجملة بمثابة التعليل للأمر {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} الفاء للتعليل، والجملة تعليلية لا محل لها، وإنما أتت لتأكيد مضمون الجملة وفحواها، ومن اسم موصول في محل نصب مفعول به لتعلمون التي هي بمعنى العرفان، فهي تتعدى لواحد، وجملة تكون لا محل لها لأنها صلة الموصول، ويجوز أن تكون {من} استفهامية في محل رفع مبتدأ، وخبرها جملة تكون، والجملة في محل نصب مفعول تعلمون، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر تكون المقدم، وعاقبة الدار اسمها المؤخر، وإن واسمها، وجملة لا يفلح الظالمون خبرها، والجملة تعليلية أيضا، وكأنها في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: وما عاقبتهم؟ {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيبًا} كلام مستأنف مسوق لبيان نوع أو نمط من أحكامهم الفاسدة، وجعل هنا بمعنى: صير، فهي تنصب مفعولين، وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف هو المفعول به الثاني، والمفعول الأول نصيبا، ومما جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان صفة ل {نصيبا}، وتقدمت عليه، وجملة ذرأ لا محل لها لأنها صلة الموصول، ومن الحرث جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أيضا من {نصيبا}، والأنعام عطف على الحرث {فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا} الفاء حرف عطف، وقالوا عطف على جعلوا، واسم الإشارة مبتدأ، واللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وبزعمهم جار ومجرور متعلقان بما تعلق به الاستقرار من قوله: {للّه}، وهذا لشركائنا مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على: هذا للّه {فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ} الفاء تفريعية، والجملة لا محل لها لأنها بمثابة الاستئنافية، وما اسم موصول في محل رفع مبتدأ، وجملة كان صلة لا محل لها، وكان فعل ماض ناقص، واسمها مستتر، ولشركائهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر، والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط، ولا نافية، وجملة لا يصل إلى اللّه في محل رفع خبر {ما} {وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ} الواو عاطفة، وما كان للّه تقدم إعرابها، والفاء رابطة، وهو مبتدأ، وجملة يصل إلى شركائهم خبره {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} الجملة مستأنفة، وساء فعل ماض جامد من أفعال الذم، وما اسم موصول فاعل، وقيل: ما نكرة تامة بمعنى شيء منصوبة على التمييز، والتقدير: ساء حكما حكمهم، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفوائد.

.الفوائد:

اختلف النحاة في كلمة ما بعد أفعال المدح والذم: نعم وبئس وساء، فقال ابن مالك في الخلاصة:
وما مميّز، وقيل: فاعل ** في نحو: نعم ما يقول الفاضل

وتفصيل ذلك أن يقال: إنّ ما هذه على ثلاثة أقسام:
1- مفردة: أي غير متلوّة بشيء.
2- متلوّة بمفرد.
3- متلوّة بجملة فعلية.
فالأولى: نحو: دققته دقّا نعمّا، وفيها قولان:
آ- معرفة: فهي اسم موصول فاعل.
ب- نكرة تامة: وعليها فالمخصوص محذوف أي: نعم الدقّ.
والثانية نحو: فنعمّا هي وبئسما تزويج بلا مهر، وفيها ثلاثة أقوال:
معرفة تامة فاعل، ونكرة تامة، ومركبة مع الفعل قبلها تركيب ذا مع حبّ، فلا موضع لها، وما بعدها فاعل.
والثالثة المتلوّة بجملة فعلية، نحو: {نعمّا يعظكم به}، و{بئسما اشتروا به أنفسهم}، وفيها أقوال، أهمها أربعة:
آ- أنها نكرة في موضع نصب على التمييز.
ب- أنها في موضع رفع على الفاعلية.
ج- أنها هي المخصوص.
د- أنها كافّة.
فأما القائلون بأنها في موضع نصب على التمييز فاختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:
آ- أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص محذوف.
ب- أنها نكرة موصوفة والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف.
ج- أنها تمييز، والمخصوص ما أخرى موصولة محذوفة، والفعل صلة ل ما الموصولة المحذوفة، وهذا ما نختاره للسهولة في الإعراب.
وأما القائلون بأنها في موضع رفع على الفاعلية فاختلفوا فيها على خمسة أقوال:
آ- أنها اسم معرفة تام، أي: غير مفتقر إلى صلة، والفعل بعدها صفة لمحذوف.
ب- أنها موصولة، والفعل صلتها، والمخصوص محذوف.
ج- أنها موصولة، والفعل صلتها، مكتف بها وبصلتها عن المحذوف.
د- أنها مصدرية سادة بصلتها- لاشتمالها على المسند والمسند إليه- مسد الفاعل والاسم المخصوص جميعا.
هـ- أنها نكرة موصوفة، والمخصوص محذوف.
وأما القائلون بأنها هي المخصوص فقالوا: إنها موصولة، والفاعل مستتر، وما أخرى محذوفة هي التمييز وأما القائلون بأنها كافّة كفّت نعم عن العمل كما كفت: قلّ وطال وكثر وشدّ عنه، فصارت تدخل على الجملة الفعلية.
تطبيق الخلاف على الآية:
فإذا أردنا تطبيق ما أجملناه على {ساء ما يحكمون} فإن جعلنا ما تمييزا فهي نكرة موصوفة، أي: ساء شيئا يحكمونه، وإن جعلناها فاعلا فهي معرفة ناقصة، أي ساء الذي يحكمونه، وعليهما فالمخصوص بالذم محذوف دائما. أطلنا في هذا النقل لأن النحاة اضطرب كلامهم فيه اضطرابا شديدا.